تلابت، هي بلدة تونسية تقع في معتمدية فريانة من ولاية القصرين. احدثت بلدية تلابت في 8 ماي 1985 ويبلغ عدد سكانها 6046 نسمة حسب إحصائيات سنة 2004.
تأسست تلابت مثل العديد من مدن الوسط الغربي خلال النصف الثاني من القرن الأول الميلادي بعدما تمكنت روما من إخـماد ثورة قبائل الأمازيغ المزالمة الرافضة للتوسع الأجنبي على حساب مصالحها الحيوية بقيادة تاكفاريناس وذلك سنة 17 م. وقد أقيمت هذه المدينة على أرض كانت تحت سيطرة قبائل من لواتة سماها بروكوب (Procope ) لـبات (لوات) الشيء الذي جعل المؤرخ منشيكور يرجع تسمية المدينة إلـى أصل سكان المنطقة قبل سيطرة الرومان عليها مع إضافة التاء إلـى أول الكلمة لكونه أمر شائع فـي لغة الأمازيغ وهو ما نميل إليه إذ الإسم الروماني لما سيعرف بعد ذلك بالمدينة القديمة هو الهورية (الهوري). ولا غرابة فـي أن يختار المحتل موقع الدشرة الأمازيغة للإستفادة من موقعها الإستراتيجي ومن مياه رأس العين والكيس المتدفقة التي سيستغلها الرومان فيما بعد بإحكام من أجل تنمية فلاحة متطورة تقوم أساسا على غراسة الزياتين.
وبحكم موقعها ضمن سلسلة من المدن المتقدمة فـي مجال تسيطر عليه قبائل الأمازيغ المشهورة ببسالتها عرفت الهورية (تلابت) عناية خاصة من طرف مؤسسيها وبدأت تتطور بسرعة بفضل ما فرضته روما من أمن واستقرار بعد ثورة تكفاريناس. وبالإضافة إلـى وجودها بين عيون الماء فقد استفادت الـمدينة من حجارة جبالها الكلسية الطيعة لتشيد معالم دينية وترفيهية هامة لا تزال آثارها إلـى اليوم بارزة مثل مـجمـوعة الكنائس والحمام التي بنيت أغلبها بحجارة مصقولة من الحجم الكبير وهو أمر نادر جدا بشهادة الأخصائيين. والبعض من هـذه الـمعالم يستفيد اليوم فـي ظل هذا العهد الجديد بالعناية التي لا نشك فـي تزايد نسقها.
وأمام الإمتداد العمراني للمدينة الذي يدعونا إلـى افتراض تطور اقتصادي ومعماري وثقافـي هام شهدته تلابت ما بين القرنين الثالث والرابع بالخصوص, فرضت تلابت نفسها لتتبوأ مكانة بارزة من بين أهم الـمدن الرومانية بإفريقيا. وليس خير دليل على ذلك من احتضانها " لأحد أكبر كنائس إفريقيا ...(التي) لا تقل أبعادها عن 51,80 م. طولا و 25 م. عرضا" وهي واحدة من بين سبعة معالم دينية هامة أشار إليها مخطط المدينة الأثرية. هذا البعد كان له بالغ الأثر فـي إضفاء حركية اقتصادية وثقافية متميزة على المدينة. فقد أنجبت أحد أكبر الأسماء التي ظلت الكنيسة الرومانية تفتخر بها طويلا وهو العالم فولجانس دي روسبي الذي عاش ما بين 468 و 532 م. والذي فرض احترامه على ألد أعدائه من الوندال بقيادة ملكهم ترازاموند الذي حكم إفريقيا ما بين 496 و 523. هؤلاء الأريوسيين من أتباع مـذهب آريوس الذين لم يجدوا أمامه من مخرج سوى إعادته إلـى منفاه بسردينيا بعدما استقدموه من أجل مناطرة دينية ظنوا أنفسهم فيها فائزين. وقبل فولجانس تميزت تلابت بالدور الـهام الذي لعبته فـي احتضانها لمؤتمر تمهيدي جمع أساقفة بيزاسينا ونوميديا الشرقية سنة 418 م. تحضيرا لاتخاذ موقف موحد من محاولة البابا زوسيموس التدخل فـي قرار اتخذته الكنيسة الإفريقية ضد أحد أعضائها الشيء الذي كانت دوما ترفضه معتبرة نفسها لا تحتاج دروسا من روما.
ومع مطلع القرن الخامس بدأت تلابت تتأثر بحالة التراجع العامة التي طبعت تاريخ إفريقيا الرومانية فكان الزحف الوندالي الذي مهد السبيل أمام استعادة القبائل الأمازيغة بعض نفوذها ثم جاءت محاولة البيزنطيين لترميم ما تهدم من منشآت وإقامة حصون دفاعية إلا أنها لم تكلل بالنجاح وهكذا لم تفلح بيزنطة فـي إعادة الحياة الـى تلابت التـي باتت كسائر مدن البلاد تنتظر الفتح العربي الإسلامي الذي كتبت فـي ظـله تاريخها الجديد.
يقع قرب البلدة موقع أثري يمسح قرابة المائة هكتار وينطوي على معالم متعددة ترجع إلى العهود القرطاجية والرومانية والنوميدية والبيزنطية والوندالية. ومن أبرز معالم الموقع الأثري الحمام الروماني, أجزاء من بنايته ماتزال قائمة وإن كانت لا تحدد ملامح البناية بالشكل المتعارف عليه في معمار الحمامات الرومانية العادي، ويبدو أن أرضية قاعاته كانت مغطاة بالفسيفساء التي لم يبق الآن أي أثر لها. ويرى بعض المؤرخين أن أصل البناية ليست حماما إنما هي بقايا قصر الأمير الحفصي حسان المذكور في كتب التاريخ.
أقيمت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في مكتبين للاقتراع احتضنتهما المدرستين الابتدائيتين للبلدة وحلت حركة النهضة في المركز الأولى والحزب الديمقراطي التقدمي في المركز الثاني .